خطب ابن نباتة الفارقي : البنية التصويرية والإيقاعية
الكلمات المفتاحية:
خطب ابن نباتة الفارقي : البنية التصويرية والإيقاعيةالملخص
يُعدّ ابن نباتة الفارقي من أهم خطباء بني العباس في القرن الرابع الهجري, وأفصحهم لسانًا وأبلغهم. وقد سلّط الباحث الضوء على هذه الخطب, فيما يخصّ مضمونَها وبناءَها الفكري, وما يخصّ بنيتها اللّغويّة والأسلوبيّة في مقالين سابقين. وخُصِّصَ هذا البحث لدراسة بنيتها التّصويريّة والإيقاعية, نظرًا إلى أهمية الصورة, والإيقاع, وأثرهما الجوهري في بناء الدلالة, والتأثير الوجداني في المخاطَبين.. فالخطيب الماهر يدرك أنّ من أنجع السبل لإثارة شعور المخاطَبين واستمالتهم إلى مذهبه, اتّباع الأسلوب التّصويري في التعبير عن أفكاره ومعانيه. ومن المؤكّد أنّ الصّورة الخياليّة تفعل في النّفس ما لا يفعله أداء الفكرة أداءً حقيقيًّا مباشرًا. وهذه الحقيقة الفنيّة أدركها الخطباء الممتازون ففسحوا للتعبير الخيالي مكانًا رَحْبًا في خطبهم, واستعانوا بالصور في أداء معانيهم. وهذا ما نجده في خطب الفارقي؛ فقد جنح إلى الاستعارة والتخييل والمبالغة المقبولة, وبرع في التجسيم والتشخيص, ولاسيّما حين كان يريد التحدّث عن الدنيا, وتمثيل سرعة زوالها وفنائها.. وكان من أهمّ النتائج التي توصّل إليها البحث:
- تحقّق الصّورة الذهنيّة في خطب ابن نباتة حضورًا متميّزًا, فخطيبنا لم يقف عند ظواهر الأشياء بل نفذ إلى بَوَاطِنها واستكنَه حقيقَتَها. وصوره الذهنيّة - في معظمها- دقيقة, تحتاج إلى إعمال الذّهن, لفهمها واستيضاحها. وهذا طبيعي في هذا العصر, حيث نضجت الحركة الفكريّة, وتُرْجِمت آثار فلاسفة اليونان وغيرهم.
- كانت فكرة (الموت) من أكثر الأفكار الذّهنيّة المجرّدة التي أضفى عليها خطيبنا صفات الكائن الحيّ, فشخّصها, أو صفات الجماد, فجسّدها, في صور طريفة, مبتكرة.
- أكثر الفارقي من المزاوجات الاسمية, قوالبَ لصوره الذهنيّة. ومعظم الإضافات الاسمية في الخطب تجمع بين المحسوس والمجرّد.. ويشي هذا بالرؤية الفنية للخطيب القائمة على استبطان حقائق الوجود.
- إنّ تميُّز الصورة الحسيّة (البصريّة, والسمعيّة, والذوقيّة, واللمسيّة) عند ابن نباتة كَمَنَ وراء استقصاء جوانب المظهر الحسّي المرصود, وإقامة صِلات التّشابه والتماثل بين المحسوسات (وغير المحسوسات).
- كان من أهم خصائص الصورة في الخطب: التركيب في بناء الصورة، المفارقة وتوتّر الأضداد, تبديل الأفعال المنسوبة إلى الإنسان والحيوان, بثّ الحركة والحيويّة في مكوّنات الصورة، كما وُجدت بعض الصور الجامدة التي صاغها بأسلوبٍ مبتكر, تكرار صورٍ بعينها, بحيث يمكننا أن نعدّها رموزًا تستحضر غيب النفس والوجود..
وتوصّل البحث إلى أنّ هذه الصّور فاعلة في السياق ومؤثّرة فيه وليست زينة ولا فضلة
- وكان من أهم الظواهر الصوتيّة التي خلقت إيقاعًا موسيقيًّا رنّانًا, وحقّقت التناسق والانسجام الصوتي, والدلالي: السجع, والازدواج, والجناس..
- إنّ عناية خطيبنا بالصورة على هذا النحو, يجعلنا نؤكّد أنّه كان يُعِدّ لخطبه جيّدًا قبل إلقائها..
وقد اتُبِعَ المنهج الوصفي التحليلي الذي يستقصي الظّاهرة, ويحلّلها. كما استعان البحث بمعطيات المنهج الأسلوبي (خاصة الاختيار), والمنهج النفسي الذي لا يمكن الاستغناء عنه في دراسة الخطابة بصورة عامة.