الصحيفة المدنية ومبادئ العيش المشترك دراسة تحليلية

الملخص

   تناول هذا البحث وثيقة تاريخية حفظتها لنا كتب السيرة النبوية، حررت في القرن السابع الميلادي، وهي المسماة بالصحيفة المدنية، هذه الصحيفة تقدم لنا نموذجا تاريخيا يعالج مسألة المواطنة، ويقدم حلولا لما تزخر به بلاد المسلمين اليوم من اختلاف القوميات، والأديان، والطائفيات، والأجناس، والوثيقة تؤسس لمبدأ استثمار القواسم المشتركة وتسخيرها لخير الوطن وأمنه.

   ويهدف هذا البحث إلى التعريف بهذه الوثيقة التاريخية، ثم دراسة ما تضمنته من مبادئ العيش المشترك، ولتحقيق هذا الهدف، استعمل البحث المنهج الوصفي التحليلي والاستنتاجي، فبدأ بذكر لمحة تاريخية عن ثبوت الصحيفة، ومصادرها، وتسمياتها، وبيان موضوعها ومكانتها، والدراسات التي تناولتها، وذلك في المبحث الأول منه ،  ثم  ثنّى بذكر مبادئ العيش المشترك المستنبطة من نصوص الصحيفة في مجالات: بناء الدولة وأسس علاقتها بمواطنيها، ضمان الحريات وحمايتها، حفظ الأمن وأنظمة الجزاء، تنظيم الشؤون الخارجية والعسكرية، تنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وذلك في المبحث الثاني منه. وتوصل البحث في الخاتمة إلى عدد من النتائج أهمها:                                               

   _ إن الصحيفة المدنية هي وثيقة تاريخية ثابتة لميثاق حقوقي، وقانوني نظم العلاقات بين جميع مكونات المجتمع المدني على أساس من العدالة الاجتماعية والتكافل والتعاون.

_ إن الوثيقة مثال يحتذى، ونموذج يستلهم منه السعي إلى بناء الأوطان المتماسكة رغم تنوعها الثقافي، والعقدي، والعرقي، وذلك بالتركيز على القواسم المشتركة، وإشاعة روح التعارف والتراحم والتسامح، بما يحقق التلاحم رغم تعدد المناهج، على أساس من وحدة الانتماء للوطن.

_ لقد نظمت هذه الوثيقة في كثير من بنودها علاقة الدولة الإسلامية بمن جاورها، على أسس من العدل والمعاملة بالمثل، مما يشكل نواة القانون الدولي الإسلامي. وإن السمة العامة للدولة المسلمة في العلاقات الخارجية تؤكد نزعتها العالمية الإنسانية، فالأصل في علاقاتها الخارجية قاعدة السلم والتعاون إلا لمن اعتدى وظلم.