العلاقة بين الخلافة الفاطمية وبلاد النوبة

الملخص

ظلت معاهدة الصلح المسماة بالبقط التي أبرمها حكام مصر المسلمين مع ملوك المقرة نافذة المفعول حتى قدوم الفاطميين واستقرارهم بمصر، وقد التزم ملوك المقرة باحترام هذا الاتفاق، وقدّموا البقط المقرر عليهم. وبالمقابل اهتم الفاطميون باستمرار علاقات حسن الجوار والمسالمة مع ملوك هذه الدولة، يدفعهم إلى ذلك حرصهم على تأمين حدود مصر الجنوبية، وضمان تدفق البضائع التجارية من بلاد أفريقية الجنوبية إلى مصر. على أنه لابدّ من القول إن التزام ملوك المقرة باتفاق البقط كان متعلقاً بالأحوال الداخلية لكلا البلدين ، فقد كان ملوك المقرة يتقصّون الأخبار عن حالة مصر باستمرار، فإذا وجدوا الظروف في صالحهم نقضوا العهد وامتنعوا عن دفع البقط، وقاموا بمهاجمة بلاد الصعيد منتهزين فرصة انشغال الخلافة في حروبها مع الصليبيين، على أن ذلك كان يستدعي قيام سلطات القاهرة، بإرسال تجريدة عسكرية لإرغامهم على دفعها. ولهذا يمكن القول إن الطابع الودي كان المسيطر على العلاقات بين الخلافة الفاطمية ومملكة المقرة النوبية، ثم انقلب إلى سيء في الحقبة الأخيرة من تاريخ الفاطميين .

وعلى صعيد العلاقة مع دولة بني الكنـز الإسلامية جنوب مصر. فمنذ أيام الخليفة الحاكم بأمر الله، توطدت علاقات حسنة بين الخلافة الفاطمية وبني ربيعة، وقد دانت هذه الدولة بوجودها لهذا الخليفة الذي منح أمراءها لقب كنـز الدولة تقديراً لجهودهم في نصرة الخلافة ضد الثائر أبي ركوة. ومنذ ذلك الوقت أخذت الخلافة تعتمد على ولاء بني الكنـز في تثبيت أقدامها وفرض نفوذها على المناطق الواقعة جنوبي مصر وشمالي بلاد النوبة، وقد قدّر خلفاء الحاكم مكانة دولة بني الكنـز وقدّروا قوتها في هذه المناطق، ولكن إعلان الأمير كنـز الدولة محمد الاستقلال في سنة 466 هـ/1073 م، منتهزاً فرصة ضعف الخلافة في أثناء الشدة المستنصرية، سبَّب تدهور العلاقات حيناً من الزمن دام قرابة ثلاث سنوات، أي حتى قُضِيَ على ثورته سنة 469 هـ /1076 م، على يد الوزير بدر الجمالي، حيث توطدت العلاقة من جديد بين الطرفين وازدادت رسوخاً بانضمام الأمير سعد الدولة القواسي، أمير بني الكنـز، إلى صفوف الجيش الفاطمي في حروبه ضد الصليبيين ومن ثم استشهاده في عسقلان في سنة 494 هـ /1101م. وبناءً على ذلك فقد كانت علاقة بني الكنـز بالخلافة الفاطمية حسنة بشكل عام، واستمر أمراء بني الكنـز بالاعتراف بالسيادة الفاطمية، على الرغم من نزوع بعضهم إلى الاستقلال.