مدينة الإسكندرية في الفترة الرومانية (30 ق.م- 284م )
الكلمات المفتاحية:
مدينة الإسكندرية في الفترة الرومانية (30 ق.م- 284م )الملخص
وقد بنيت هذه المدينة على يد الإسكندر المقدوني في موقع استراتيجي مهم تميز بكونه معموراً بالحياة منذ القدم من خلال "16 " قرية صغيرة كانت أكبرها تدعى " راقودة "؛ فضلاً عن كونه الميناء الطبيعي الوحيد القادر على استقبال السفن التجارية على مدار العام، مهما كانت الظروف المناخية، على عكس باقي المواقع المنتشرة على الساحل، وقد جاء اختيار الإسكندر لهذا الموقعَ بدافع وإيحاء من التجار اليونانيين المقيمين في المناطق القريبة منه، الذين كانوا يريدون تطوير تجارتهم وحمايتها، فرأوا في رغبة الإسكندر في بناء مدينة في مصر تحمل اسمه فرصةً سانحة لتحقيق ذلك.
بعد وفاة الإسكندر آلت مصر إلى حكم " بطليموس " ( أحد قادة الإسكندر المقدوني)، الذي اتخذ من مدينة الإسكندرية عاصمة لدولته، التي عرفت بدولة البطالمة.
شهدت الإسكندرية خلال وجود هذه الدولة على أراضيها مرحلةً طويلة من التقلبات والصراعات على كرسي العرش، كان أخرها الصراع بين أشهر ملكات الإسكندرية " كليوباترا " وأخيها، وخلال تلك المرحلة كانت منطقة البحر المتوسط أرضاً للحرب الأهلية الرومانية بين " بومبي " و" يوليوس قيصر"، التي انتهت بانتصار " يوليوس قيصر " في معركة " فارسالوس " عام 48 ق.م ومقتل خصمه " بومبي " في الإسكندرية، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة في تاريخ الإسكندرية عرفت فيما بعد بحرب الإسكندرية عام 47 ق.م كان طرفاها بعضَ موظفي البلاط البطلمي و" يوليوس قيصر" بعد أن تدخّل في الخلاف القائم بين الملكة وأخيها حول العرش، وقام بحلِّه، مما شكّل ضربة كبيرة لمصالح الموظفين، وانتهت هذه الحرب بانتصار" يوليوس قيصر" وتعيينه لكليوباترا ملكة على عرش مصر، لتبدأ بينهما علاقة غرامية كان أثرها سلبياً على يوليوس قيصر، إذ أنها شكلت أحد الأسباب التي أودت بحياته في المؤامرة التي اندلعت ضده في مجلس الشيوخ الروماني، وبعد موته بدأت حروب الانتقام من بعض قاداته " أوكتافيوس " وماركوس أنطونيوس" ضد قتلته والمتآمرين عليه، التي انتهت بانقسام ممتلكاته في الشرق والغرب بينهما، وبحكم أن " أوكتافيوس " قد أصبح سيد الشرق، بدأ يبحث عن التخلص من منافسة الفرس له، لذلك كان بحاجة إلى نفقات اقتصادية كبيرة وجدها في الإسكندرية، بينما وجدت " كليوباترا" فيه خير حليف لتأمين عرشها، ليتكرر ما حدث مع" يوليوس قيصر " " بأوكتافيوس " الذي فقد حياته على يد حليف الأمس " ماركوس أنطونيوس " بعد هزيمته في معركة " أكتيوم " عام 30 ق.م، لتتحول بعدها الإسكندرية من مدينة هلنستية إلى ولاية رومانية بمختلف جوانبها الحضارية، ولا سيما النظام السياسي والإداري القائم على ما كان موجوداً خلال العصر البطلمي مع إدخال بعد التعديلات من ناحية المناصب والألقاب لتثبيت أقدام الإدارة الرومانية في البلاد، ومظاهر الحياة الاجتماعية القائمة على التمييز الطبقي بين سكان المدينة من حيث الضرائب والمهام الموكلة لكل منهم مع التفضيل للمواطنين الرومان الذين قدموا كجنود في الجيش الروماني أو كتجار واقتصاديين، والثقافية التي واصلت من خلالها مدينة الإسكندرية إشعاعاتها العلمية والحضارية في مجالات الطب والفلك والجغرافيا كما كانت عليه في العهد البطلمي بدعم ورعاية من قبل الأباطرة الرومان، أما من الناحية الدينيةً فقد مارس الرومان نوعاً من التسامح الديني، الذي ترك لسكان المدينة من مصريين وإغريق ممارسة طقوسهم الدينية وعبادة آلهتهم مع إدخال بعض التعاليم والمعتقدات الرومانية، إلى أن توِّجتْ بالنهاية بدخول المسيحية إلى المدينة، التي شكلت نقطة تحول في مظاهر الحياة كافة داخل المدينة.
تعدُّ مدينة الإسكندرية واحدة من أهم مدن المشرق العربي القديم خاصة، والعالم القديم عامةً؛ لما تمتعت به هذه المدينة من شهرة كبيرة، حظيت بها نتيجة الجمال العمراني لأبنيتها؛ فضلاً عن الإسهامات العلمية والفكرية الجليلة التي قدمتها للعالم من خلال حاضرتها العلمية مكتبة الإسكندرية، هذه الإسهامات التي كان لها الفضل الكبير على العالم ككل.